الصورة: https://pxhere.com
منذ فجر البشرية، حاول الفلاسفة البحث عن الحكمة وفحص أصل وصلاحية الأفكار البشرية، وقيم الحقيقة والخير والجمال؛ محاولة لفهم الكون واتخاذ القرارات وحل المشكلات. ويمكن اليوم تفسير بعض القواعد والأعراف من خلال تتبع تطور الفلسفة على مر القرون. وفي القرن الواحد والعشرين تحديدًا حيث يعد الذكاء الاصطناعي أحد الأدوات الأساسية التي يقوم عليها الابتكار حول العالم، زاد اهتمام الباحثين بفحص أخلاقيات هذه الأنظمة ، وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة إلا أنها لا تزال حتى الآن في مرحلة مبكرة لإيجاد قواعد عامة تفرق بين ما هو أخلاقي وما هو عكس ذلك، فهل يمكن للفلسفات القديمة أن تلهم قواعد الذكاء الاصطناعي اليوم.
يستعرض مشروع الآلة الأخلاقية (١) سيناريوهات يمكن أن تحدث عند قيادة السيارات ذاتية القيادة، وأحدها أن يخير قائد المركبة (نظام الذكاء الاصطناعي المدرب في سياقنا هذا) بين توجيه السيارة نحو مسار يؤدي بحياة مجرمين يعبرون الشارع أثناء تعطل المكابح وآخر يؤدي بحياة قائد المركبة نفسه، فهل يجب أن ينجو الشخص بنفسه أو أن يحمي مشاة صادف أن كانوا مجرمين؟
اختلف الفلاسفة في العصور الأولى في الإجابة على أسئلة جدلية تبحث في أخلاقيات قتل شخصيات شريرة أثناء صعودها إلى السلطة، وحين طرح سؤال كهذا على الدالاي لاما استشار زملاءه ثم أجاب: نعم من الأخلاقي قتل هذا الشخص ولكن لا تغضب. (٢) وعلى الرغم من أن الدالاي لاما هو الزعيم الروحي لإحدى مدارس البوذية التبتية التي تطورت في السياق الثقافي والجغرافي التبتي إلا أن الاخلاق في البوذية تعد مبدأ أساسي فوق كل شيء وبالتالي فإن قتل شخص في محاولة لتقليل معاناة العالم سيظل تصرفًا أخلاقي، وهذا يعكس الرؤية البوذية التي لا تتعلق بالفرد وإنما بالخير الذي يمكن للفرد أن يفعله للعالم ككل.
أما بالنسبة لجان-جاك روسو فغالبا سيحل هذا اللغز من خلال دعوة الأفراد إلى أن يتفقوا اتفاقًا ضمنيا على القواعد والقوانين التي تحكمهم وتضمن الصالح العام، كما دعى له في العقد الاجتماعي. لكننا نعي اليوم وبعد قرون من تأسيس تلك الفلسفة أنه لا يوجد مثال عملي أو قصة نجاح لتشكيل مجتمع بناءً على العقد الذي بين أفراده، وهذا من وجهة نظري يعود إلى حقيقة أن المجتمعات هي عبارة عن أفراد وللأفراد مصالح وقيم وآراء مختلفة.
لنقم بتغيير السيناريو قليلاً ونتخيل أن طفلًا يعبر الشارع بدلًا من مجرمين، سيكون من الصعب كذلك اتخاذ قرار كهذا فعلى عكس البوذية التي لا تتعلق بك كفرد، والعقد الاجتماعي الذي لا يعالج بشكل كاف مصالح الأقليات أو الأفراد الذين تختلف تفضيلاتهم عن الأغلبية، فإن الكونفوشيوسية تعلمنا الاعتراف بالذات كجزء من علاقاتنا مع الآخرين، فبغض النظر عن أي القرارين سيميل له من في المركبة ذاتية القيادة سيقلق على الطفل المعرض للخطر إدراكًا منه بأننا جميعًا مترابطون.
اشتهرت مؤخراً قضية برو-بابليكا (٣) التي تدور حول نظام قائم على الذكاء الاصطناعي أطلق حكما اكثر قسوة على ذوي البشرة السوداء مقارنة بأولئك من ذوي البشرة البيضاء، ولو وقع هذا الحدث في العصر الذهبي للأرسطية فستفسر ذلك بإحدى مبادئها التي تؤمن بالدور الذي تلعبه العوامل الخارجية -كأن يولد الشخص بلون بشرة وعرق وثراء معين- في منح أو الحرمان من امتيازات تزيد من سهولة أو صعوبة نجاح الشخص، كما تقر الرواقية كذلك بنفس الفكرة ولكنها تقول إضافة إلى ذلك أن مستوى ثروتك مثلًا لا يؤثر على مدى فضلك أي أنه يمكن أن يجتمع الثراء والشر في نفس الشخص.
يبدو جليًا من الأمثلة السابقة أن الفلاسفة لم يجمعوا على فلسفة وتفسير واحد بل كانت بعضها تناقض الأخرى ويأتي هذا من حقيقة أنهم أتوا من أبعاد مختلفة تعكس تجارب واهتمامات متفردة، وعلى الرغم من المحاولات الحديثة لإيجاد نموذج عالمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تعلمنا الفلسفات الكلاسيكية حتى اليوم بأنه لا توجد إجابات عالمية للأسئلة الأخلاقية وأن النموذج العالمي المثالي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي هو ذلك الذي يسمح بوجود نماذج عدة.
للمزيد:
1. https://www.moralmachine.net
2. https://www.amazon.com/How-Live-Good-Life-Philosophy/dp/0525566147
3. https://www.propublica.org/article/machine-bias-risk-assessments-in-criminal-sentencing